[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
سعد بن معاذ.. أسلم على يد مصعب بن عمير المبعوث الأول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة ، بعد بيعة العقبة الأولى.
من العنف إلى الإيمان
حين علم سعد بن معاذ أن ابن خالته أسعد بن زرارة يجمع الناس في بيته ويأتي إليهم مصعب بن عمير ويدعوهم إلى الإسلام، ويدخلون في هذا الدين الجديد غضب، وقال “ما هذا الذي يجري بين ظهرانينا، يفتن الضعفاء منا ويخرجهم من دينهم ودين آبائهم؟” وأخذ حربته وذهب إلى ابن خالته أسعد بن زرارة ليقفا وجها لوجه أمام مصعب بن عمير.
وقف سعد أمام أسعد ومصعب، متشتما يتكلم بكلام شديد وعنيف، وكان رجلا فيه شيء من الحدة قائلا “اتركوا ديارنا”، فرد مصعب “أو غير ذلك؟ قال وما غير ذلك؟” قال “تجلس فتسمع منا فإن أعجبك ما قلناه وقبلته فالحمد لله، وإن كان غير ذلك عجلنا عنك ما تكره”، قال سعد: أنصفت، فجلس وتلا مصعب عليه القرآن، وعرض عليه الإسلام.
قال أسعد ومصعب: فعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يعلنه، فانفرجت أساريره، وظهر التأثر، فقال “ما الذي يطلب من الإنسان إذا أراد أن يدخل دينكم هذا، قال له تذهب فتغتسل وتتطهر وتطهر ثوبك وتصلي ركعتين وتشهد شهادة الحق”، ففعل ذلك وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
أسلم قومه على يديه
عاد “سعد” بعد ذلك إلى قومه الذين خرج من عندهم غاضبا، فحينما رأوه من بعيد قالوا لقد عاد سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فجمع قومه في داره وقال لهم: يا بني عبد الأشهل تعلمون ما أمري فيكم، قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبا، قال: إن كلامكم عليّ حرام، رجالكم ونسائكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فقالوا جميعا: آمنا بالله ورسوله، فلم يكن رجل أيمن ولا أبرك على قومه من سعد بن معاذ، فلم يبق في بني عبد الأشهل من رجل أو امرأة إلا دخل في الإسلام.
جندي الإسلام
نذر سعد بن معاذ أن يكون رجل وجندي الإسلام، يجند نفسه لهذا الدين، ولذلك كان له مواقفه في الغزوات التي شهدها، ولم يشهد إلا ثلاث غزوات ثم استشهد، شهد بدرا وأحدا والخندق، وفي الخندق وافته الشهادة.
ومن هذه المواقف، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حينما خرج مع بعض الصحابة وكان منهم الكارهون كما قال تعالى: “كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون” (5-الأنفال) وخرجت قريش على بكرة أبيها حينما أخبرت بأن محمدا يتعرض لقافلتها التجارية.
حينما علموا أن قافلتهم نجت، وقال عقلاؤهم، لقد نجت القافلة فهيا نعد إلى مكة، رفض أبو جهل وقال “لا،حتى نذهب ونرد ماء بدر، وننحر الجزور ونشرب الخمور، وتعزف علينا القيان ويسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر”، وكان لا بد أن يقابل الرسول، صلى اللَّه عليه وسلم، هذا التحدي بمثله، كان لابد من اللقاء.
أراد النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، أن يستشير الناس ، فقال لمن معه وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا: أشيروا عليّ أيها الناس، فقام أبو بكر، وقام عمر، كل تكلم وأحسن، وقال المقداد بن الأسود من المهاجرين: واللَّه لا نقول لك يا رسول اللَّه كما قالت بنو إسرائيل لموسى “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”، ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
وقال سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه من الانصار: “لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، فو اللَّه لو استعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وإنا لقوم صُبر في الحرب، صُدق عند اللقاء، ولعل اللَّه تعالى يريك منا ما تقر به عينك، فسالم من شئت وحارب من شئت، وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت”.
سُرَّ رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، بكلام سعد وأنار وجهه، كأنه فلقة قمر، وقال: سيروا على بركة اللَّه، واللَّه لكأني أرى مصارع القوم.
مشورة حربية
وكان لسعد بن معاذ في غزوة بدر موقف آخر، حيث قال للرسول، صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله ألا نبني لك عريشا تظل فيه وتشرف على المعركة، فإن ظفرنا الله بعدونا فهذا ما نحب، وإن كانت الأخرى وضعنا إبلنا بجوار العريش، تركب هذه الركائب وتعود إلى المدينة، فإن فيها والله لقوما يحبونك أكثر مما نحبك ويذودون عنك بأكثر مما نذود عنك، ولو عرفوا أن هناك حربا ما تخلفوا”، فاستحسن الرسول اقتراحه وبنى له سعد العريش وبقي فيه يطل على المعركة.
وكان سعد يقف بجوار رسول الله عند العريش الذي بُني له، ورأى الصحابة اهتموا بأسر المشركين، فرأى رسول الله في وجه سعد ما يشبه الكراهية لهذا الأمر، فقال له: كأني أراك تكره هذا يا سعد؟، قال سعد: إي والله يا رسول الله، هذه أول معركة نلقى فيها المشركين، فكان الإثخان أحب إليّ من أسر الرجال، وبهذا نزل القرآن: “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ”(67-الأنفال.
الثبات يوم أحد
وكان بن معاذ أحد الذين ثبتوا في المعركة يوم “أحد” ونافحوا عن رسول الله، ولم يفروا حينما سمعوا شائعة قتل النبي، صلى الله عليه وسلم، ففُت في عضد الكثيرين وفروا، لكن سعد بن معاذ لم يفر، ولقي أنس بن النضر، قال له أنس: يا سعد إنها الجنة والله، أجد ريحها من وراء أحد، واستشهد أنس بن النضر ووجدوا في جسمه ثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فما عرفه أحد إلا أخته بعلامة في بنانه، في طرف أصابعه، وفيه نزل قول الله تعالى ” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً “(23-الأحزاب.
غزوة الخندق
كان المفروض في هذه الغزوة أن يكون يهود بني قريظة الذين يعيشون في ضواحي المدينة وأطرافها وبينهم وبين الرسول معاهدة، أن يكونوا مع رسول الله ضد المهاجمين بالمال وبالسلاح وبالرجال إذا احتاج الرجال، لكن اليهود انتهزوا الفرصة، وقالوا هذا الجيش العرمرم الذي يغزو المدينة، إنها فرصة لا تعوض أن ننضم إلى هذا الجيش ونطبق على محمد وأصحابه فلا تقوم لهم قائمة .
وأعلنوا غدرهم برسول الله، ونقضهم للمعاهدة، وأرسل لهم النبي بعض من كانوا حلفاءهم في الجاهلية، فذهب سعد ومعه جماعة من قومه من الأوس ليكلموا هؤلاء اليهود عسى أن يثوبوا إلى رشدهم ويراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى الصواب فحدثوهم عن عهدهم إلى رسول الله وعهد رسول الله إليهم، فشاتمهم، فرد اليهود قائلين: من رسول الله؟ لا نعرف أحدا، ليس بيننا وبين أحد عهد، وأساءوا القول وأساءوا الفعل وردوا أسوأ الرد.
عاد سعد وهو يدعو عليهم ويسأل الله أن ينتقم منهم، وأخبر رسول الله بغدرهم المعلن المجاهر، فقال النبي أبشروا. إن هذا الغدر يبشر بخير لأنه دائما من نكث فإنما ينكث على نفسه ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
لا ثمر إلا بحقه
عاش المسلمون أياما عصيبة، واشتد الأمر على رسول الله وأصحابه، حتى فكر النبي أن يفرق المهاجمين: يضرب بعضهم ببعض فأرسل إلى غطفان وإلى سادتهم يفاوضهم في أن يدفع لهم ثلث ثمار المدينة ويرجعوا ويتركوا قريشا وحدها.
كانت المفاوضات تجري بين النبي وغطفان، وعلم السعدان: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة سيد الأوس وسيد الخزرج فأسرعا القدوم على الرسول وقالا: سمعنا ما قمت به يا رسول الله أهذا وحي أوحاه الله إليك ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر عنه؟ أم هو أمر رأيته شفقة علينا ولمصلحتنا؟ قال بل هو رأي رأيته شفقة عليكم وأردت أن أعزل عدوكم وأفرق بينهم، فقالوا: لا والله يا رسول الله لقد كنا مع هؤلاء القوم بالجاهلية نعبد الأصنام ويعبدونها وما يطمع أحد منهم أن يأكل ثمرة من ثمرات المدينة إلا بيعا أو قرى، أو بعد أن أكرمنا الله بالإسلام وآمنا بك وصدقناك نعطي الدنية في ديننا؟ ونطعمهم من ثمار مدينتنا لا يحكم بيننا وبينهم إلا السيف؟.
إلى المعركة
تهيأ سعد بن معاذ لهذه المعركة، ولبس درعا ومرَّ على عائشة رضي الله عنها وكانت تجلس مع أم سعد، فوجدت درع سعد لا يغطي ذراعيه كليهما، فقالت لأمه: يا أم سعد! وددت والله لو كانت درع سعد أسبغ من هذا؛ لأن ذراعه مكشوف، فلا يُؤْمَنُ أن يصيبه سهم.
كأن عائشة كانت تقرأ الغيب، أرسل رجل من قريش سهمه في ذراع سعد فأصاب أكحله، فانفجر الدم من هذا العرق، كواه النبي فلم يفلح الكي، فأخذه النبي إلى المسجد وكانت هناك امرأة من المسلمين اسمها “رفيدة” تمرض الجرحى وتسعفهم يعتبرونها أول ممرضة في الإسلام، وقامت على أمر سعد، وكان النبي يمر عليه في الصباح يقول كيف أصبحت، ويمر عليه في المساء ويقول كيف أمسيت.
ثم بعد أن رد الله المشركين وأرسل عليهم الريح، استشار النبي سعد بن معاذ في أمر حلفائه في الجاهلية يهود بني قريظة، وفرح بنو قريظة أن استشار الرسول فيهم سعدا وظنوا أنه سيجاملهم، وقالوا رضينا بحكمه، فقال الرسول احكم فيهم يا سعد، فقال: أما إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم ونساؤهم، وتغنم أموالهم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات. وكان لا بد أن يحاكموا بالشدة، ولو تركوا لعادوا مرة ومرة.. ونفذ رسول الله فيهم الحكم.
استشهاد سعد
ظل جرح سعد بن معاذ بعد أن سكن فترة يثغب دما، فنظر سعد إلى جرحه وقال: “اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني حتى أشهدها فإنه ليس أحب إليّ من أن أغزو قوما كذّبوا رسولك وآذوك، وعذبوه وأخرجوه، وإن كنت لم تبعد بيننا وبين قريش حربا، فأفجر هذه الجراحة واجعلها شهادة لي، ولا تمتني يا رب حتى تقر عيني من بني قريظة”، فما أن حكم حكمه في بني قريظة حتى انفجر جرحه وكان فيه شهادته، ولقي ربه.
قال النبي: “لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ”، وهو ابن سبع أو ثمانٍ وثلاثين سنة، سنوات قصيرة حافلة بالخيرات والبطولات، وصلى النبي وأصحابه على سعد بن معاذ.
قال الإمام الذهبي: عرش الرحمن هو خلق من خلق الله يهتز لمن يشاء الله أن يهتز له، كما قال النبي عن أحد: إن أحدا جبل يحبنا ونحبه. وهو خَلْق من خَلْق الله جماد
سعد بن معاذ.. أسلم على يد مصعب بن عمير المبعوث الأول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة ، بعد بيعة العقبة الأولى.
من العنف إلى الإيمان
حين علم سعد بن معاذ أن ابن خالته أسعد بن زرارة يجمع الناس في بيته ويأتي إليهم مصعب بن عمير ويدعوهم إلى الإسلام، ويدخلون في هذا الدين الجديد غضب، وقال “ما هذا الذي يجري بين ظهرانينا، يفتن الضعفاء منا ويخرجهم من دينهم ودين آبائهم؟” وأخذ حربته وذهب إلى ابن خالته أسعد بن زرارة ليقفا وجها لوجه أمام مصعب بن عمير.
وقف سعد أمام أسعد ومصعب، متشتما يتكلم بكلام شديد وعنيف، وكان رجلا فيه شيء من الحدة قائلا “اتركوا ديارنا”، فرد مصعب “أو غير ذلك؟ قال وما غير ذلك؟” قال “تجلس فتسمع منا فإن أعجبك ما قلناه وقبلته فالحمد لله، وإن كان غير ذلك عجلنا عنك ما تكره”، قال سعد: أنصفت، فجلس وتلا مصعب عليه القرآن، وعرض عليه الإسلام.
قال أسعد ومصعب: فعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يعلنه، فانفرجت أساريره، وظهر التأثر، فقال “ما الذي يطلب من الإنسان إذا أراد أن يدخل دينكم هذا، قال له تذهب فتغتسل وتتطهر وتطهر ثوبك وتصلي ركعتين وتشهد شهادة الحق”، ففعل ذلك وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
أسلم قومه على يديه
عاد “سعد” بعد ذلك إلى قومه الذين خرج من عندهم غاضبا، فحينما رأوه من بعيد قالوا لقد عاد سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فجمع قومه في داره وقال لهم: يا بني عبد الأشهل تعلمون ما أمري فيكم، قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبا، قال: إن كلامكم عليّ حرام، رجالكم ونسائكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فقالوا جميعا: آمنا بالله ورسوله، فلم يكن رجل أيمن ولا أبرك على قومه من سعد بن معاذ، فلم يبق في بني عبد الأشهل من رجل أو امرأة إلا دخل في الإسلام.
جندي الإسلام
نذر سعد بن معاذ أن يكون رجل وجندي الإسلام، يجند نفسه لهذا الدين، ولذلك كان له مواقفه في الغزوات التي شهدها، ولم يشهد إلا ثلاث غزوات ثم استشهد، شهد بدرا وأحدا والخندق، وفي الخندق وافته الشهادة.
ومن هذه المواقف، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حينما خرج مع بعض الصحابة وكان منهم الكارهون كما قال تعالى: “كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون” (5-الأنفال) وخرجت قريش على بكرة أبيها حينما أخبرت بأن محمدا يتعرض لقافلتها التجارية.
حينما علموا أن قافلتهم نجت، وقال عقلاؤهم، لقد نجت القافلة فهيا نعد إلى مكة، رفض أبو جهل وقال “لا،حتى نذهب ونرد ماء بدر، وننحر الجزور ونشرب الخمور، وتعزف علينا القيان ويسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر”، وكان لا بد أن يقابل الرسول، صلى اللَّه عليه وسلم، هذا التحدي بمثله، كان لابد من اللقاء.
أراد النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، أن يستشير الناس ، فقال لمن معه وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا: أشيروا عليّ أيها الناس، فقام أبو بكر، وقام عمر، كل تكلم وأحسن، وقال المقداد بن الأسود من المهاجرين: واللَّه لا نقول لك يا رسول اللَّه كما قالت بنو إسرائيل لموسى “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”، ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
وقال سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه من الانصار: “لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، فو اللَّه لو استعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وإنا لقوم صُبر في الحرب، صُدق عند اللقاء، ولعل اللَّه تعالى يريك منا ما تقر به عينك، فسالم من شئت وحارب من شئت، وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت”.
سُرَّ رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، بكلام سعد وأنار وجهه، كأنه فلقة قمر، وقال: سيروا على بركة اللَّه، واللَّه لكأني أرى مصارع القوم.
مشورة حربية
وكان لسعد بن معاذ في غزوة بدر موقف آخر، حيث قال للرسول، صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله ألا نبني لك عريشا تظل فيه وتشرف على المعركة، فإن ظفرنا الله بعدونا فهذا ما نحب، وإن كانت الأخرى وضعنا إبلنا بجوار العريش، تركب هذه الركائب وتعود إلى المدينة، فإن فيها والله لقوما يحبونك أكثر مما نحبك ويذودون عنك بأكثر مما نذود عنك، ولو عرفوا أن هناك حربا ما تخلفوا”، فاستحسن الرسول اقتراحه وبنى له سعد العريش وبقي فيه يطل على المعركة.
وكان سعد يقف بجوار رسول الله عند العريش الذي بُني له، ورأى الصحابة اهتموا بأسر المشركين، فرأى رسول الله في وجه سعد ما يشبه الكراهية لهذا الأمر، فقال له: كأني أراك تكره هذا يا سعد؟، قال سعد: إي والله يا رسول الله، هذه أول معركة نلقى فيها المشركين، فكان الإثخان أحب إليّ من أسر الرجال، وبهذا نزل القرآن: “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ”(67-الأنفال.
الثبات يوم أحد
وكان بن معاذ أحد الذين ثبتوا في المعركة يوم “أحد” ونافحوا عن رسول الله، ولم يفروا حينما سمعوا شائعة قتل النبي، صلى الله عليه وسلم، ففُت في عضد الكثيرين وفروا، لكن سعد بن معاذ لم يفر، ولقي أنس بن النضر، قال له أنس: يا سعد إنها الجنة والله، أجد ريحها من وراء أحد، واستشهد أنس بن النضر ووجدوا في جسمه ثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فما عرفه أحد إلا أخته بعلامة في بنانه، في طرف أصابعه، وفيه نزل قول الله تعالى ” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً “(23-الأحزاب.
غزوة الخندق
كان المفروض في هذه الغزوة أن يكون يهود بني قريظة الذين يعيشون في ضواحي المدينة وأطرافها وبينهم وبين الرسول معاهدة، أن يكونوا مع رسول الله ضد المهاجمين بالمال وبالسلاح وبالرجال إذا احتاج الرجال، لكن اليهود انتهزوا الفرصة، وقالوا هذا الجيش العرمرم الذي يغزو المدينة، إنها فرصة لا تعوض أن ننضم إلى هذا الجيش ونطبق على محمد وأصحابه فلا تقوم لهم قائمة .
وأعلنوا غدرهم برسول الله، ونقضهم للمعاهدة، وأرسل لهم النبي بعض من كانوا حلفاءهم في الجاهلية، فذهب سعد ومعه جماعة من قومه من الأوس ليكلموا هؤلاء اليهود عسى أن يثوبوا إلى رشدهم ويراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى الصواب فحدثوهم عن عهدهم إلى رسول الله وعهد رسول الله إليهم، فشاتمهم، فرد اليهود قائلين: من رسول الله؟ لا نعرف أحدا، ليس بيننا وبين أحد عهد، وأساءوا القول وأساءوا الفعل وردوا أسوأ الرد.
عاد سعد وهو يدعو عليهم ويسأل الله أن ينتقم منهم، وأخبر رسول الله بغدرهم المعلن المجاهر، فقال النبي أبشروا. إن هذا الغدر يبشر بخير لأنه دائما من نكث فإنما ينكث على نفسه ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
لا ثمر إلا بحقه
عاش المسلمون أياما عصيبة، واشتد الأمر على رسول الله وأصحابه، حتى فكر النبي أن يفرق المهاجمين: يضرب بعضهم ببعض فأرسل إلى غطفان وإلى سادتهم يفاوضهم في أن يدفع لهم ثلث ثمار المدينة ويرجعوا ويتركوا قريشا وحدها.
كانت المفاوضات تجري بين النبي وغطفان، وعلم السعدان: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة سيد الأوس وسيد الخزرج فأسرعا القدوم على الرسول وقالا: سمعنا ما قمت به يا رسول الله أهذا وحي أوحاه الله إليك ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر عنه؟ أم هو أمر رأيته شفقة علينا ولمصلحتنا؟ قال بل هو رأي رأيته شفقة عليكم وأردت أن أعزل عدوكم وأفرق بينهم، فقالوا: لا والله يا رسول الله لقد كنا مع هؤلاء القوم بالجاهلية نعبد الأصنام ويعبدونها وما يطمع أحد منهم أن يأكل ثمرة من ثمرات المدينة إلا بيعا أو قرى، أو بعد أن أكرمنا الله بالإسلام وآمنا بك وصدقناك نعطي الدنية في ديننا؟ ونطعمهم من ثمار مدينتنا لا يحكم بيننا وبينهم إلا السيف؟.
إلى المعركة
تهيأ سعد بن معاذ لهذه المعركة، ولبس درعا ومرَّ على عائشة رضي الله عنها وكانت تجلس مع أم سعد، فوجدت درع سعد لا يغطي ذراعيه كليهما، فقالت لأمه: يا أم سعد! وددت والله لو كانت درع سعد أسبغ من هذا؛ لأن ذراعه مكشوف، فلا يُؤْمَنُ أن يصيبه سهم.
كأن عائشة كانت تقرأ الغيب، أرسل رجل من قريش سهمه في ذراع سعد فأصاب أكحله، فانفجر الدم من هذا العرق، كواه النبي فلم يفلح الكي، فأخذه النبي إلى المسجد وكانت هناك امرأة من المسلمين اسمها “رفيدة” تمرض الجرحى وتسعفهم يعتبرونها أول ممرضة في الإسلام، وقامت على أمر سعد، وكان النبي يمر عليه في الصباح يقول كيف أصبحت، ويمر عليه في المساء ويقول كيف أمسيت.
ثم بعد أن رد الله المشركين وأرسل عليهم الريح، استشار النبي سعد بن معاذ في أمر حلفائه في الجاهلية يهود بني قريظة، وفرح بنو قريظة أن استشار الرسول فيهم سعدا وظنوا أنه سيجاملهم، وقالوا رضينا بحكمه، فقال الرسول احكم فيهم يا سعد، فقال: أما إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم ونساؤهم، وتغنم أموالهم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات. وكان لا بد أن يحاكموا بالشدة، ولو تركوا لعادوا مرة ومرة.. ونفذ رسول الله فيهم الحكم.
استشهاد سعد
ظل جرح سعد بن معاذ بعد أن سكن فترة يثغب دما، فنظر سعد إلى جرحه وقال: “اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني حتى أشهدها فإنه ليس أحب إليّ من أن أغزو قوما كذّبوا رسولك وآذوك، وعذبوه وأخرجوه، وإن كنت لم تبعد بيننا وبين قريش حربا، فأفجر هذه الجراحة واجعلها شهادة لي، ولا تمتني يا رب حتى تقر عيني من بني قريظة”، فما أن حكم حكمه في بني قريظة حتى انفجر جرحه وكان فيه شهادته، ولقي ربه.
قال النبي: “لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ”، وهو ابن سبع أو ثمانٍ وثلاثين سنة، سنوات قصيرة حافلة بالخيرات والبطولات، وصلى النبي وأصحابه على سعد بن معاذ.
قال الإمام الذهبي: عرش الرحمن هو خلق من خلق الله يهتز لمن يشاء الله أن يهتز له، كما قال النبي عن أحد: إن أحدا جبل يحبنا ونحبه. وهو خَلْق من خَلْق الله جماد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]