بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الدين في أصله نقلٌ والعقل مهمته التأكُّد من صحة النقل ثم فهم النقل :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وبعد: فيا أيها الأخوة الكرام، يطيب للإنسان أحياناً أن يتحدث في أصول الدين، كما أنه في حاجة ماسةٍ أحياناً أخرى إلى فروع الدين، والمزاوجة بين أصول الدين وبين فروع الدين يعطي تصوراً شاملاً وكاملاً لهذا الدين العظيم.
في ظاهرة خطيرة جداً في الأوساط الإسلامية وهي تحكيم العقل بالنقل، فالإنسان يتوهَّم أن عقله مقياس مُطلق للمعرفة، هذا كلام غير صحيح إطلاقاً، هناك مجموعة حقائق سوف أحاول أن أعالجها، لتكون هذه الحقائق تمهيداً لحقيقة كبرى وهي أن الدين في أصله نقلٌ، والعقل مهمته التأكُّد من صحة النقل، ثم فهم النقل.
يا أيها الأخوة، الإنسان مخلوق لسعادة أبدية، الإنسان مخلوق للجنة، الإنسان مخلوق ليرحمه الله، في سعادة متنامية إلى أبد الآبدين، الإنسان نفخةٌ من روح الله، وقبضةٌ من تراب الأرض. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 77 ]
الإنسان لا يفنى، يفنى جسده، لكن نفسه باقيةٌ إلى أبد الآبدين، والإنسان يذوق الموت ولا يموت، أول حقيقة أن هذه الجنة التي عَرْضُها السماوات والأرض، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنة ذات السعادة المتنامية المتعاظمة إلى أبد الآبدين لها ثمنٌ في الدنيا واحد، سأذكر أسماء عديدة والمُسمى واحد، ثمن هذه الجنة الضبط، ثمن هذه الجنة الصبر، ثمن هذه الجنة أن تطيع الله عزَّ وجل، ثمن هذه الجنة أن تطبق منهجه،.
الإنسان أودع الله فيه الشهوات، أي إنسان كائنٌ من مكان، حتى الأنبياء، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشرٌ تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، يخاف، ويجوع، ويشتهي، هو بشر، لكنه انتصر على بشريته وحقق غاية الله من خلقه، واصطبغ بالكمال الإلهي، هذا تعريف النبي عليه الصلاة والسلام. ثمن الجنة هو التناقض الظاهري بين الطبع وبين التكليف :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ما هو ثمن الجنة؟ تناقض ظاهري بين الطبع وبين التكليف، لو كان هناك توافق بين الطبع والتكليف لما كان هناك جنة، لو كان الأمر أن تُطْلِق البصر، والأمر أن تأكل المال من أي طريقٍ كان، والأمر أن تنام ولا تستيقظ، والأمر أن تأكل ولا تشبع، والأمر أن تقارب أية امرأة، لو كان الأمر كذلك وهذا متوافق مع طبع الإنسان المادي، أين الجنة؟ ماذا فعل الإنسان؟ هذه الجنة التي خلق الإنسان من أجلها، والتي أعدَّها الله له، وفيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنة ثمنها الضبط، أن تضبط الغرائز، أن تضبط الشهوات، أن تضبط النوازع، فلذلك ورد في الحديث:
((أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثاً أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ))
[أحمد عن ابن عبَّاس ]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أي أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، وطريق النار محفوف بالشهوات، الملاهي مفتَّحةٌ أبوابها؛ طعام، وشراب، وخمر، وراقصات ومغنيين، كسب المال من أي طريق؟ بالبنوك، بالفوائد، بالاحتيال، بالضغط، بالإكراه، هذه طريقة لكسب المال، اقتناص الشهوات: ((أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثاً أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ))
[أحمد عن ابن عبَّاس ]
أي لا بد من أن تجد في الطريق إلى الله مكاره، وعقبات، المكاره والعقبات هي التناقض بين التكليف وبين الطبع، فكل إنسان يحاول يجعل الإسلام يتماشى مع كل حاجاته، أي أن كل قضية هو مشتاق إليها، أو حريص عليها، أو يحبها، يبحث عن فتوى ضعيفة يغطيها، هذه مسموحة، وهذه بلوى عامة، وهذه فيها فتوى، وهذه الله لا يؤاخذنا، وهذه ماذا نفعل الحياة صعبة. فكل قضية أعطاها تعليل، بعد حين أصبح الدين هواء غاز، لم يعد للدين وجود، يتشكَّل بأي مكان، يتسرَّب إلى أي مكان.
وسبحان الله الشيء المؤلم الآن أن الفتوى في العالم الإسلامي بدل أن تنهض بالناس إلى مستوى الشرع العظيم هبطت إلى واقع المسلمين، لم يعد شيء غير مسموح، الربا مسموح، والتمثيل مسموح، والغناء مسموح، يكاد يكون كل شيء مسموح ضمن إطار هش من الدين، إطار ضعيف جداً، أو غلاف ديني هَش، أساسه أن جامع فيه أقواس، فيه تحف، فيه فسيفساء، كتب إسلامية، زخرفة إسلامية، مناظر إسلامية، شعارات إسلامية، أما المضمون غربي بحت، هذه مشكلة كبيرة جداً أن الإنسان بدأ يحكِّم عقله بالنقل، أنه لماذا هذه حرام؟ والآن مطروح أطروحات كبيرة جداً لماذا يعد هذا حراماً؟ الردّ على محاولة التوفيق بين مصالح الإنسان المادية القريبة وبين أحكام الدين :
أول سؤال: إذا أردت أن توفق بين المصالح القريبة العاجلة، وبين نوازع الطبع، وبين رغبات النفس، وبين النصوص انتهى الدين، أفضيت منه، الدين منهج، الدين شيء صُلب، له كيان، المسلم إسلامه صارخ، المسلم متميِّز؛ بكلامه، بأفراحه، بأحزانه، بكسب ماله، بإنفاق ماله، ببيته، بكل شيء متميز، فإذا لم يتميز المسلم، صار في انتماء شكلي انتهى الإسلام، فالاتجاه الخطير محاولة عصرنة الدين، أن تقرأ القرآن قراءة معاصرة، أن تفهم الدين فهماً نابعاً من ظروف الحياة المعاصرة، هذه لا بد منها، وهذه إن لم نفعلها كنا في آخر الأمم، وكأن الله عز وجل غاب عنه أن منهجه لا يصلح لهذا الزمان، هذا اتهام للدين، حينما يقول الله عز وجل: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
[ سورة المائدة: 3 ]
فإذا أردت أن تحذف وأن تضيف على هذا الدين معنى ذلك أنت متهم بهذا الدين بالخلل والنقص والزيادة.
مرة ثانية لا بد من أن نعود إلى أصول الدين، ولا بد من أن يكون الدين كياناً صُلباً، ولا بد من أن يعبد الله وفق ما شرع الله، ولا بد من أن نقول: لا يعبد إلا الله وفق ما شرَّع الله. هذا الرد على محاولة التوفيق بين مصالح الإنسان المادية القريبة وبين أحكام الدين، إلى درجة أنني من باب المداعبة، إذا قال لي إنسان: ما قولك بهذا؟ أقول له: تريد الفتوى أم التقوى؟ إن أردت الفتوى لكل معصيةٍ فتوى، ليست هناك مشكلة، إن أردت التقوى استفتي قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك، يا وابصة كما قال عليه الصلاة والسلام: ((يا وابصة البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس))
[الدارمي عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الأَسَدِيِّ ]
هذا هو الإثم. الفكر الرئيسة في الدرس :
1 ـ الإيمان هو الصبر والصبر هو الضبط :
أول فقرة في هذا الدرس التناقض الظاهري الأولي بين مصالح الإنسان القريبة وبين التكليف، هذا التناقض إذا حُلَّ بإيثار طاعة الله عزَّ وجل على المصالح؛ هذا الإيثار هو ثمن الجنة التي خلقنا من أجلها، فكل إنسان يريد أن لا يتكلف، ولا يخالف نوازعه، ولا يعطِّل مصالحه، يريد فتوى لكل تقصير، يريد حل لكل معصية، هذا يُلغي الدين وهو لا يشعر، بقي الدين طقوس، كيف أن بعض الشرائع الأرضية لها حركات وسكنات وتمتمات لا معنى لها، فلما نحاول أن نوفِّق بين أحكام الدين الصُلبة وبين مصالحنا القريبة، نجعل من هذا الدين طقوساً وليس ديناً، أي حركات، وسكنات، وتمتمات، وقراءات نؤديها بلا معنى، لنوهم أنفسنا أننا مسلمون وأننا دينون. لذلك الإيمان هو الصبر والصبر هو الضبط، والضبط ضبط النوازع والرغبات، هذه أول فكرة بالدرس.
2 ـ العقل من دون وحي أعمى :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الفكرة الثانية أن الله عزَّ وجل أعطى الإنسان عيناً، ولكن هذه العين مهما كانت دقيقةً حادة النظر، لا تستطيع أن ترى من دون وسيط وهو الضوء، ضع في غرفةٍ حالكة الظلام إنساناً مبصراً وإنساناً أعمى، هما سواء، إذا لا يوجد ضوء هما سواء، وقياساً على هذا العقل من دون وحي أعمى، وأكبر دليل هذا الذي يجري في العالم الغربي ما هذه؟ عقل مُتَّقد بعيد عن الوحي، فارتأوا الجماعة أن الإنسان عليه أن يمارس كل شهواته بأية طريقةٍ يريد، ومع من يريد، وفي أي وقت يريد، فظهر الشذوذ، وظهر زنا المحارم، وظهر انحلال الأسرة، وأكبر رئيس دولة في العالم يقول: عندنا أربعة أخطار كبيرة تتهددنا ـ وقد ظننت الصين، وظننت الاتحاد الأوروبي، وظننت اليابان، لا، لا ـ قال: انحلال الأسرة، وشيوع المخدرات، وشيوع الجريمة ـ والشيء الرابع نسيته ـ المخدرات، والجريمة، وشيوع انحلال الأسرة، والشذوذ، هذه أخطار كبيرة جداً، فتقريباً الغرب عقل بلا وحي، كل شيء مباح. لكن كل شيء مباح صار الإنسان أشقى كائن، الشقاء تراه بعينك هناك، لأنه لا يوجد منهج، لا يوجد شيء محرم، لا يوجد شيء لا يجوز، لا يوجد صلة بين العبد وربه، لا يوجد عمل تسمو به، إنسان بلا هدف، حياته لا معنى لها.
إنسان بلا هدف عقل بلا وعي :
كنت مرة في استنبول فسمعت قصةً مؤثرة جداً، هذا الجسر الضخم العملاق الذي يعد ثاني جسر في العالم، والذي يصل بين شطري استنبول الشرقي والغربي، ويعبره في اليوم ثلاثمئة ألف سيارة، وبأجرة، وهو معلَّق بالحبال، وتسير تحته أضخم البواخر، هذا الجسر صممه أحد خمس مهندسين في العالم وهم يابانيين، من كبار مهندسي العالم، وأنا حينما كنت هناك وجدت جسر ثاني أنشئ على شاكلته، صاروا جسرين، هذا الجسر الأول يوم افتتاحه، قص رئيس بلدية استنبول الشريط الحريري وإلى جانبه المهندس الأول الذي صمم هذا الجسر، وما هي إلا لمحة بصر حتى ألقى هذا المهندس بنفسه في البحر ومات، انتحر. فهرعوا إلى غرفته في الفندق، فندق الشيراتون في استنبول، فإذا رسالة كتب عليها قبل أن ينتحر: ذقت كل شيء في الحياة ـ يبدو شهرة إلى أعلى درجة، أحد خمس مهندسين في العالم، إنجاز ثاني أكبر جسر في العالم، شاب، كل الشهوات مارسها ـ فلم أجد لها طعماً، أردت أن أذوق طعم الموت. هذا نص الرسالة التي كتبها هذا المهندس قبل أن ينتحر، إنسان بلا هدف، عقل بلا وعي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الدين في أصله نقلٌ والعقل مهمته التأكُّد من صحة النقل ثم فهم النقل :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وبعد: فيا أيها الأخوة الكرام، يطيب للإنسان أحياناً أن يتحدث في أصول الدين، كما أنه في حاجة ماسةٍ أحياناً أخرى إلى فروع الدين، والمزاوجة بين أصول الدين وبين فروع الدين يعطي تصوراً شاملاً وكاملاً لهذا الدين العظيم.
في ظاهرة خطيرة جداً في الأوساط الإسلامية وهي تحكيم العقل بالنقل، فالإنسان يتوهَّم أن عقله مقياس مُطلق للمعرفة، هذا كلام غير صحيح إطلاقاً، هناك مجموعة حقائق سوف أحاول أن أعالجها، لتكون هذه الحقائق تمهيداً لحقيقة كبرى وهي أن الدين في أصله نقلٌ، والعقل مهمته التأكُّد من صحة النقل، ثم فهم النقل.
يا أيها الأخوة، الإنسان مخلوق لسعادة أبدية، الإنسان مخلوق للجنة، الإنسان مخلوق ليرحمه الله، في سعادة متنامية إلى أبد الآبدين، الإنسان نفخةٌ من روح الله، وقبضةٌ من تراب الأرض. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 77 ]
الإنسان لا يفنى، يفنى جسده، لكن نفسه باقيةٌ إلى أبد الآبدين، والإنسان يذوق الموت ولا يموت، أول حقيقة أن هذه الجنة التي عَرْضُها السماوات والأرض، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنة ذات السعادة المتنامية المتعاظمة إلى أبد الآبدين لها ثمنٌ في الدنيا واحد، سأذكر أسماء عديدة والمُسمى واحد، ثمن هذه الجنة الضبط، ثمن هذه الجنة الصبر، ثمن هذه الجنة أن تطيع الله عزَّ وجل، ثمن هذه الجنة أن تطبق منهجه،.
الإنسان أودع الله فيه الشهوات، أي إنسان كائنٌ من مكان، حتى الأنبياء، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشرٌ تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، يخاف، ويجوع، ويشتهي، هو بشر، لكنه انتصر على بشريته وحقق غاية الله من خلقه، واصطبغ بالكمال الإلهي، هذا تعريف النبي عليه الصلاة والسلام. ثمن الجنة هو التناقض الظاهري بين الطبع وبين التكليف :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ما هو ثمن الجنة؟ تناقض ظاهري بين الطبع وبين التكليف، لو كان هناك توافق بين الطبع والتكليف لما كان هناك جنة، لو كان الأمر أن تُطْلِق البصر، والأمر أن تأكل المال من أي طريقٍ كان، والأمر أن تنام ولا تستيقظ، والأمر أن تأكل ولا تشبع، والأمر أن تقارب أية امرأة، لو كان الأمر كذلك وهذا متوافق مع طبع الإنسان المادي، أين الجنة؟ ماذا فعل الإنسان؟ هذه الجنة التي خلق الإنسان من أجلها، والتي أعدَّها الله له، وفيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنة ثمنها الضبط، أن تضبط الغرائز، أن تضبط الشهوات، أن تضبط النوازع، فلذلك ورد في الحديث:
((أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثاً أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ))
[أحمد عن ابن عبَّاس ]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أي أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، وطريق النار محفوف بالشهوات، الملاهي مفتَّحةٌ أبوابها؛ طعام، وشراب، وخمر، وراقصات ومغنيين، كسب المال من أي طريق؟ بالبنوك، بالفوائد، بالاحتيال، بالضغط، بالإكراه، هذه طريقة لكسب المال، اقتناص الشهوات: ((أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثاً أَلا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ))
[أحمد عن ابن عبَّاس ]
أي لا بد من أن تجد في الطريق إلى الله مكاره، وعقبات، المكاره والعقبات هي التناقض بين التكليف وبين الطبع، فكل إنسان يحاول يجعل الإسلام يتماشى مع كل حاجاته، أي أن كل قضية هو مشتاق إليها، أو حريص عليها، أو يحبها، يبحث عن فتوى ضعيفة يغطيها، هذه مسموحة، وهذه بلوى عامة، وهذه فيها فتوى، وهذه الله لا يؤاخذنا، وهذه ماذا نفعل الحياة صعبة. فكل قضية أعطاها تعليل، بعد حين أصبح الدين هواء غاز، لم يعد للدين وجود، يتشكَّل بأي مكان، يتسرَّب إلى أي مكان.
وسبحان الله الشيء المؤلم الآن أن الفتوى في العالم الإسلامي بدل أن تنهض بالناس إلى مستوى الشرع العظيم هبطت إلى واقع المسلمين، لم يعد شيء غير مسموح، الربا مسموح، والتمثيل مسموح، والغناء مسموح، يكاد يكون كل شيء مسموح ضمن إطار هش من الدين، إطار ضعيف جداً، أو غلاف ديني هَش، أساسه أن جامع فيه أقواس، فيه تحف، فيه فسيفساء، كتب إسلامية، زخرفة إسلامية، مناظر إسلامية، شعارات إسلامية، أما المضمون غربي بحت، هذه مشكلة كبيرة جداً أن الإنسان بدأ يحكِّم عقله بالنقل، أنه لماذا هذه حرام؟ والآن مطروح أطروحات كبيرة جداً لماذا يعد هذا حراماً؟ الردّ على محاولة التوفيق بين مصالح الإنسان المادية القريبة وبين أحكام الدين :
أول سؤال: إذا أردت أن توفق بين المصالح القريبة العاجلة، وبين نوازع الطبع، وبين رغبات النفس، وبين النصوص انتهى الدين، أفضيت منه، الدين منهج، الدين شيء صُلب، له كيان، المسلم إسلامه صارخ، المسلم متميِّز؛ بكلامه، بأفراحه، بأحزانه، بكسب ماله، بإنفاق ماله، ببيته، بكل شيء متميز، فإذا لم يتميز المسلم، صار في انتماء شكلي انتهى الإسلام، فالاتجاه الخطير محاولة عصرنة الدين، أن تقرأ القرآن قراءة معاصرة، أن تفهم الدين فهماً نابعاً من ظروف الحياة المعاصرة، هذه لا بد منها، وهذه إن لم نفعلها كنا في آخر الأمم، وكأن الله عز وجل غاب عنه أن منهجه لا يصلح لهذا الزمان، هذا اتهام للدين، حينما يقول الله عز وجل: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
[ سورة المائدة: 3 ]
فإذا أردت أن تحذف وأن تضيف على هذا الدين معنى ذلك أنت متهم بهذا الدين بالخلل والنقص والزيادة.
مرة ثانية لا بد من أن نعود إلى أصول الدين، ولا بد من أن يكون الدين كياناً صُلباً، ولا بد من أن يعبد الله وفق ما شرع الله، ولا بد من أن نقول: لا يعبد إلا الله وفق ما شرَّع الله. هذا الرد على محاولة التوفيق بين مصالح الإنسان المادية القريبة وبين أحكام الدين، إلى درجة أنني من باب المداعبة، إذا قال لي إنسان: ما قولك بهذا؟ أقول له: تريد الفتوى أم التقوى؟ إن أردت الفتوى لكل معصيةٍ فتوى، ليست هناك مشكلة، إن أردت التقوى استفتي قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك، يا وابصة كما قال عليه الصلاة والسلام: ((يا وابصة البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس))
[الدارمي عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الأَسَدِيِّ ]
هذا هو الإثم. الفكر الرئيسة في الدرس :
1 ـ الإيمان هو الصبر والصبر هو الضبط :
أول فقرة في هذا الدرس التناقض الظاهري الأولي بين مصالح الإنسان القريبة وبين التكليف، هذا التناقض إذا حُلَّ بإيثار طاعة الله عزَّ وجل على المصالح؛ هذا الإيثار هو ثمن الجنة التي خلقنا من أجلها، فكل إنسان يريد أن لا يتكلف، ولا يخالف نوازعه، ولا يعطِّل مصالحه، يريد فتوى لكل تقصير، يريد حل لكل معصية، هذا يُلغي الدين وهو لا يشعر، بقي الدين طقوس، كيف أن بعض الشرائع الأرضية لها حركات وسكنات وتمتمات لا معنى لها، فلما نحاول أن نوفِّق بين أحكام الدين الصُلبة وبين مصالحنا القريبة، نجعل من هذا الدين طقوساً وليس ديناً، أي حركات، وسكنات، وتمتمات، وقراءات نؤديها بلا معنى، لنوهم أنفسنا أننا مسلمون وأننا دينون. لذلك الإيمان هو الصبر والصبر هو الضبط، والضبط ضبط النوازع والرغبات، هذه أول فكرة بالدرس.
2 ـ العقل من دون وحي أعمى :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الفكرة الثانية أن الله عزَّ وجل أعطى الإنسان عيناً، ولكن هذه العين مهما كانت دقيقةً حادة النظر، لا تستطيع أن ترى من دون وسيط وهو الضوء، ضع في غرفةٍ حالكة الظلام إنساناً مبصراً وإنساناً أعمى، هما سواء، إذا لا يوجد ضوء هما سواء، وقياساً على هذا العقل من دون وحي أعمى، وأكبر دليل هذا الذي يجري في العالم الغربي ما هذه؟ عقل مُتَّقد بعيد عن الوحي، فارتأوا الجماعة أن الإنسان عليه أن يمارس كل شهواته بأية طريقةٍ يريد، ومع من يريد، وفي أي وقت يريد، فظهر الشذوذ، وظهر زنا المحارم، وظهر انحلال الأسرة، وأكبر رئيس دولة في العالم يقول: عندنا أربعة أخطار كبيرة تتهددنا ـ وقد ظننت الصين، وظننت الاتحاد الأوروبي، وظننت اليابان، لا، لا ـ قال: انحلال الأسرة، وشيوع المخدرات، وشيوع الجريمة ـ والشيء الرابع نسيته ـ المخدرات، والجريمة، وشيوع انحلال الأسرة، والشذوذ، هذه أخطار كبيرة جداً، فتقريباً الغرب عقل بلا وحي، كل شيء مباح. لكن كل شيء مباح صار الإنسان أشقى كائن، الشقاء تراه بعينك هناك، لأنه لا يوجد منهج، لا يوجد شيء محرم، لا يوجد شيء لا يجوز، لا يوجد صلة بين العبد وربه، لا يوجد عمل تسمو به، إنسان بلا هدف، حياته لا معنى لها.
إنسان بلا هدف عقل بلا وعي :
كنت مرة في استنبول فسمعت قصةً مؤثرة جداً، هذا الجسر الضخم العملاق الذي يعد ثاني جسر في العالم، والذي يصل بين شطري استنبول الشرقي والغربي، ويعبره في اليوم ثلاثمئة ألف سيارة، وبأجرة، وهو معلَّق بالحبال، وتسير تحته أضخم البواخر، هذا الجسر صممه أحد خمس مهندسين في العالم وهم يابانيين، من كبار مهندسي العالم، وأنا حينما كنت هناك وجدت جسر ثاني أنشئ على شاكلته، صاروا جسرين، هذا الجسر الأول يوم افتتاحه، قص رئيس بلدية استنبول الشريط الحريري وإلى جانبه المهندس الأول الذي صمم هذا الجسر، وما هي إلا لمحة بصر حتى ألقى هذا المهندس بنفسه في البحر ومات، انتحر. فهرعوا إلى غرفته في الفندق، فندق الشيراتون في استنبول، فإذا رسالة كتب عليها قبل أن ينتحر: ذقت كل شيء في الحياة ـ يبدو شهرة إلى أعلى درجة، أحد خمس مهندسين في العالم، إنجاز ثاني أكبر جسر في العالم، شاب، كل الشهوات مارسها ـ فلم أجد لها طعماً، أردت أن أذوق طعم الموت. هذا نص الرسالة التي كتبها هذا المهندس قبل أن ينتحر، إنسان بلا هدف، عقل بلا وعي.